02 - 05 - 2025

مؤشرات | أحداث اللاذقية وحماية الدم السوري

مؤشرات | أحداث اللاذقية وحماية الدم السوري

خلال نحو 48 ساعة شهدت منطقة الساحل السورية، وتحديدًا في اللاذقية وطرطوس، أحداثا مؤسفة، وصلت إلى شكل من اشكال الطائفية، راح ضحيتها أكثر من 1300 سوري، غالبيتهم من المدنيين، وبالذات من الطائفة العلوية، التي ينتمي إليها الرئيس السوري السابق بشار الأسد، والتي تتركز بمنطقة الساحل شمال غرب سوريا.

الأحداث بدأت الخميس الماضي 6 مارس، بتعرض دورية تابعة لإدارة الأمن العام السوري لكمين قرب قرية بين عانا القريبة من مدينة جبلة الساحلية، من قبل مسلحين، وردا على ذلك أرسلت قوات الأمن السورية تعزيزات عسكرية إلى منطقة الساحل، ثم تصاعدت الأمور سريعًا، بشن مجموعات مسلحة هجمات وكمائن في مناطق مختلفة في الساحل، وجرى قتل 13 عنصراً من قوى الأمن التابعة لوزارة الداخلية.

حتى هذه اللحظة ظل الوضع في إطار مواجهات بين مسلحين وقوات الأمن وتعزيزات عسكرية، مع اتهامات بأن المسلحين ممن يُسمون بفلول النظام السابق من يقفون وراء الهجمات، وظل صراع السلاح هو الواقع عندما قررت وزارة الدفاع السورية إرسال أرتال عسكرية من محافظات إدلب وحلب وحمص إلى منطقة الساحل لاستعادة السيطرة على زمام الأمور، حيث تعرضت الأرتال لهجمات من مسلحين وهي في طريقها إلى اللاذقية والتي أوقعت خسائر كبيرة في صفوف الجيش.

وسريعًا ما دخلت الأحداث مرحلة أكثر خطورة، بعدما تم الكشف عن مجازر تم ارتكابها بحق المدنيين، لتخرج من دائرة صراع بين قوات الأمن والمسلحين، إلى عمليات تصفية بحق المدنيين، وخصوصا من الطائفة العلوية في منطقة الساحل، وسط اتهامات مؤكدة بأن قوات الأمن وقوات وزارة الدفاع وقوات أخرى تابعة له، هي من ارتكبت تلك المجازر، بل زاد الأمر تعقيدا، بالكشف عن إعدامات ميدانية وعمليات سرقة ونهب وإحراق ممتلكات، بحق أفراد وعائلات من الطائفة العلوية.

تقارير حقوقية وغيرها، من بينها ما أصدره "المرصد السوري"، كشفت عن هوّل ما جرى، والتي تم وصفها بأنها أسوأ مذابح جرت في سوريا على مدى الـ15 عاماً الأخيرة، ومنذ العام 2011، من خلال عمليات إعدام في الشوارع، وعمليات تعذيب وحشية لأشخاص.

وفي تفسير طائفي لتبرير ما جرى ضد المدنيين السوريين، بأنها رد على خروج متظاهرين من الطائفة العلوية في طرطوس وجبلة وريف اللاذقية، ومناطق ساحلية، تدعم التحركات العسكرية المناهضة للسلطات الجديدة في دمشق، ورغم فرض حظر التجول وسيطرة الأمن والقوات الحكومية، ظلت عمليات المجازر مستمرة.

الأحداث المتتالية وفقا لهذا التتابع يؤشر إلى أنها تأخذ سوريا في اتجاه منحىً خطيرًا، وفي محاولة لاستيعاب ولملمة الخيوط المتناثرة، لم يكن أمام وزارة الداخلية السورية إلا الإقرار بوقوع المجازر، إلا أنها أسمتها بـ"انتهاكات فردية" في منطقة الساحل، بل ربطت بين التظاهرات الشعبية ووقوع تلك المجازر والانتهاكات.

وحاول الرئيس السوري "احمد الشرع" تهدئة الغضب خصوصًا الغربي، بإعلانه التعهد بمحاسبة كل من يتجاوز على المدنيين العُزل، مضيفا "أن أهالي الساحل السوري جزء من مسؤولية الدولة، والدولة ستبقى ضامنة للسلم الأهلي ولن تسمح بالمساس به".

ولا يمكن أن نستبعد أن جزءا من تطورات الأحداث الدموية، ما تقوم به السلطات الجديدة في سوريا ومن ديسمبر 2025، من حملات أمنية وملاحقات ضد سوريين في مناطق يقطنها علويون في مناطق مختلفة، بخلاف تنفيذ عمليات انتهاكات تم رصدها من منظمات حقوقية، على مدار الشهور الماضية، منذ هروب بشار الأسد إلى خارج سوريا.

صحيح أن أحمد الشرع قرر تشكيل لجنة للتحقيق في أحداث الساحل السوري الدموية، في اعتراف رسمي بالمجازر، وللكشف عن الأسباب والظروف والملابسات، التي أدت لوقوع هذه الأحداث، والتحقيق في الانتهاكات التي تعرض لها المدنيون وتحديد المسؤولين عنها، وزاد على ذلك بشمول التحقيق في الاعتداءات على المؤسسات العامة، ورجال الأمن والجيش وتحديد المسؤولين عنها.

والأهم أن تُخاطب السلطات السورية الداخل بلغة مختلفة، لا أن تخاطب الغرب، لمحاسبة حقيقية لكل من تورط في دماء المدنيين، ويجب أن تتحقق كلمات الشرع وتتحول إلى فعل وواقع، ووفقا لنص كلماته "سنحاسب بكل حزم وبدون تهاون كل من تورط في دماء المدنيين أو أساء إلى أهلنا ومن تجاوز صلاحيات الدولة أو استغل السلطة لتحقيق مأربه الخاص، ولن يكون هناك أي شخص فوق القانون وكل من تلوثت يداه بدماء السوريين سيواجه العدالة عاجلا غير آجل".

ما يهم الناس في سوريا طمأنتهم، لا ترضية أطراف خارجية، مع الحفاظ على الوحدة الوطنية في سوريا بكل طوائفها للعيش بسلام، مع حماية الدم السوري، ومواجهة قتل العائلات في منازلهم وكل مثيري الفتنة، لا تصفية حسابات كلها إلى زوال.
-----------------------------
بقلم: محمود الحضري

مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | قراءة في معركة انتخابات الصحفيين قبيل الاقتراع